الخميس، 23 يوليو 2009

في حرم الثقافة العربية الجزء الأول - بقلم ثائر جبر

ما الدور الذي يلعبه المثقف العربي في الوقت الحالي , و ما هو التاريخ و الإرث الثقافي الذي و رثه المثقفون العرب من التاريخ العربي .

- مفهوم الثقافة

إن عدد عظماء التاريخ من العلماء و الأدباء و الفلاسفة يفوق بكثير عدد نظرائهم من العظماء الساسة و قادة الجيوش , و إن من جمعوا بين هذا و ذاك ,قد تربعوا على عروش التاريخ , وليس المعنى من ذلك أنهم أكثر, بل التاريخ يحفل بهم أكثر .

كانت الثقافة دائما مرآة تعكس ما وصلت إليه الشعوب من تطور و حضارة , فإذا ما أعجبت برواية أو عمل سينمائي أو مسرحي , أو علمي , فحتما تشعر بمدى الإدراك الذي وصل إليه الوطن الذي نبتت منه هذه المادة .

تلعب الثقافة دورا هاما في تكوين الوعي و الإدراك عند الناس , لما للمثقف من خبرات عقلية تؤهله لاستخلاص العبر من التجارب لديه و لدى غيره , و التحقيق في الأحداث التي تعاصره , و لا للثقافة أن تكون ديمقراطية فيما بين الورق بل على, المثقف أن يكون دكتاتورا في سطوره , فعندما تقرأ مقالة أو رواية فأنت قيد حوار مع كاتبها , فإما أن تؤمن بما لديه أو أن تزأر و تثور و ترفض ما يطرح عليك , و إذا ما حدث الاحتمال الثاني , هنيئا لك فلقد أصبحت مثقفا , فلك أن تتبع منهجا آخر , أو تؤسس لمنهجك الخاص , مع الاعتبار أن الاحتمال الأول لا يعني أنك غير مثقف .

و بالتالي مع كل هذا القدر من الحرية المكتسبة , يصبح المرء قادرا على تقبل الآخر لمعرفته مقدار الفائدة التي سوف تعم عند التعاون مع الأفراد , و امتزاج الأفكار و الرؤى دون وجود أية ضغائن تجاه فكر آخر.

من هنا فإن الاهتمام بالجوانب الحياتية , و الفكرية , و السياسية , و الدينية و ما تصاحبها من أحداث , في الإطار الثقافي المتمتع بالحرية الكافية قانونيا وواقعيا..تربويا وبأدوات ثقافية، سيكون المناخ الأفضل للنمو الاجتماعي الصحي , و عند هذا المستوى , تصبح المجتمعات قادرة على بناء نفسها و قادرة على عبور المنعطفات التي تمر بها , و الأزمات التي تعترضها.

- المشهد الحقيقي

أن التربية التي نعيش في ظلها , في ظروف القهر لا تتيح لنا نموا طبيعيا فينتقل القهر الخارجي إلى داخلنا ..وتنحسر فينا القوة الطبيعية , إلى درجة الخوف المزمن , يقال عنك " نجمه خفيف " إذا جاز التعبير.

من طبيعة الأمور أن ننتقد التاريخ و الحاضر بوقائعه العسكرية و تفاعلاته الاجتماعية بأبعادها المختلفة: السياسية الدينية و الاجتماعية و الأخلاقية و الاقتصادية ..الخ. لكي نعتبر منها، ومن نتائجها السلبية أو الايجابية, و نعرض ما وصلنا إليه للآخرين .

المشكلة تكمن في تغييب الحقيقة و زبدتها , في خضم التدافع , الغير مهني , على الحدث , فالتهالك السريع و الحكم المرتجل , يعرض بشكل عفوي منهجك الثقافي , حتى و إن شعرت بأن لا أحد يعرف ما تخفيه بين جنبات بزتك الثقافية .

و كي تحافظ على مستواك الثقافي , الذي كنت تشعر به إبان فتوتك و انتشار الغضب في دمك , و لتخفي بعض التهاوي الذي حل ببعضك , قد تلجأ إلى شيء من خفة الظل , كأن تستخدم العامية في مواضع طريفة أو قد تذكر مثلا شعبيا ردده أجدادنا , أو قد تذكر أبيات من قصيدة الأصمعي " وشوى هش على ورق صفرجل" ورغم أهمية ذلك في الكتابة إلا أنك قد تواطأت في إخفاء الحقيقة , و نجح الاتجاه السياسي أو الحزبي في جعلك أحد أركانه .
إن تفسير الأحداث , ليس وقفا على المثقفين, و إن كان الساسة هم أصحاب السبق في التعليق و الوصف إلا أنك كمثقف مؤتمن على هذه الحقائق , والتحقيق في معطياتها و تقديمها للناس , إن العبث بالحقائق , هي من مواصفات الفساد السياسي , و كشف الحقائق هو أهم ما يميز العمل الثقافي البناء المكون من قيم علمية , والحريص على الحيادية ،والموضوعية وتوخي الدقة، والمصداقية في تناول الماضي والحاضر والمستقبل أيضا وتحليل أبعاده، لأخذ العبرة.
بخلاف الحالة السياسية التي تسخر كل شيء لاتجاهاتها العملية المباشرة, تطلق العنان للشتائم أو المداح أو التهم جزافا دون مفهوم ثقافي أو علمي واضح , وكذلك استحضار الماضي وعبره , ليوظفها لغايات سياسية ..وهذه واحدة من المشكلات التي تبقي التوتر والتخاصم في الحياة بين المجتمعات المختلفة , إضافة طبعا إلى المصلحة المحركة لهذه النزعات السياسية.

وعلى الرغم من أنها غالبا ما تكون مصلحة وطنية أو قومية أو دينية , " كما يفترض" إلا أن غلبة الميول الخاصة عند غالبية المجتمع المتخلف , تؤثر على اتجاهات العمل الوطني والقومي والإنساني غالبا..

وهذه هي المشكلة المزمنة ، والتي تسبب أغلب المشكلات التي تطالعنا بين الشعوب والأمم ومنها مثلا الحروب المختلفة، وتحت أسماء مختلفة وعناوين مختلفة وأهداف مختلفة .