الأحد، 6 سبتمبر 2009

هدوء نسبي

هل هي صحوة الضمير أم محاكم التاريخ
انفجرت بغداد في ربيع 2003 و تراقصت أشلاء العراقيين , طربا على وقع الجحيم الأمريكي , و منذ ذلك الحين لم تشهد العراق هدوءَ , لا نسبي و لا غير نسبي , و رصعت دبابات بوش كل التظاهرات في الدول الغربية و العربية , و هدير الطائرات أرعد نوافذ القصور العربية , و احمرت الرادارات خجلا من رصدها في أفقنا المهدور .

لقد حذر الجميع من غزو بغداد , و طحنت جنين , و طحنت بغداد و دكت مقاطعة الختيار, و لا أحد إلا و بكى بغداد , و نقلت الفضائيات العربية العصرية سقوط تمثال صدام , و ضرب التمثال و لف بعلم أمريكا , و قال مراسل المنيرة الفضائية رحمه الله , من يدري لعله عصر جديد , و قالوا و قالوا لعله عصر جديد , اليوم سيعم الأمن في العراق و سنحتفل بالديموقراطية , و سيكون العراق بلدا عصريا , فسكتت الأقلام و لفت الأوراق, و افتتحت السفارات و عاد العراق يعمل من جديد بلونين أمريكا تارة و إيران تارة أخرى , و لسان حالنا يقول "إن البقر تشابه علينا".

"مطلوق علينا كأنك ديب جعان شارد و جاي علينا بتتمطع أوي و فارد,في كوريا نعجه و علينا جاي عامل مارد لا أنت عمي ولا أمي , ولا الوالد عشان تيجي لبلادي بكل أسلحتك تنقذني من اللي حاكمني, كنت عينتك؟ عارفك ما تعرف يا قاتل الا مصلحتك, مش انظمة (أنظمتنا العربية) إنما قابلينها يا بارد", لم تذع صرخة الأبنودي في وسائل الأعلام العربية سوى عبر فضائية لبنانية واحدة , و لربما تحركت الجماهير العربية ضد الغزو الأمريكي خجلا من المظاهرات التي عمت أوروبا احتجاجا على الغزو .

لقد غالت المؤسسات الثقافية و الإعلامية العربية في تجاهل القضايا العربية , فبعد سنوات تنتج شركة عربية مسلسلا ذو قيمة فنية و إنتاجية عالية , وثق أسطورة جنين, و من جديد اعتذرت جميع المحطات العربية عن عرض المسلسل سوى فضائية لبنانية واحدة, في حين لقي مسلسل الطريق إلى كابول حتفه من الحلقة الأولى , و اعتبر عرضه آن ذاك اعتداء على أمريكا!!, و انفردت البي بي سي بعرض جنين جنين للمخرج الفلسطيني المرموق محمد بكري ثم الجزيرة , و لعل ما يستحق التوقف أنها تعرض أثناء فترات الهدوء .

هدوء النسبي .

هدوء نسبي عمل درامي عربي جديد , قام عليه كوكبة من الفنانين العرب , يعرض بشكل خاص للتجربة المريرة التي عاشها الصحفيون إبان سقوط بغداد , و بشكل عام لما مر به الشعب العراقي, و تهاوي أول نظام عربي معاصر , لقد جسد هذا المسلسل الشعور العام الذي عاشه الإعلاميون العرب كافة, سواء في بغداد أو في العالم , و يوثق بدقة كيفية انخراط الصحفي و المثقف العربي في المقاومة "بالمايكروفون و الكاميرا", وقضى في سبيل العراق و الحق شهيداَ أو جريحاَ, و لعل الأكثر تأثيرا في هذا العمل, هو مدى العمق في المشاعر العربية تجاه العراق بحكومته العربية الأولى و شعبه العربي الأصيل, و لم يغفل هذا العمل الحساسية الأمنية العالية التي تعاملت بها أجهزة الأمن العراقية قبل السقوط , و عرضت الموضوع من باب "الغرقان يتعلق بقشة" , ويسمو العمل بالمعنى الحقيقي لكلمة سقوط , عندما يتناقلها الشخوص عبر الأحداث , فتشعر بالسقوط أنه سقوط ولا شئ غير السقوط, و تصبح الكلمة ذات طاقة مؤلمة , و لا غرب في ذلك فالحديث يدور هنا عن عاصمة الرشيد بكل ما فيها من تاريخ إسلام وحاضر عروبة .

لقد نجحت الدعاية الأمريكية و الإيرانية , وبنسبة عالية في رسم صورة بشعة للنظام العراقي السابق , و تأثر الكثير من المثقفون العرب بهذه الصورة, بل و تم التركيز على الصور التي التقطت إبان إخماد تمرد الجنوب , و التي قادتها أنظمة استكمالا لحرب الثمان سنوات مستغلة تقهقر الجيش العراقي بعيد حرب الخليج الأولى, و بدل من أن تكون محاكمات الدجيل حجة على الحكومة الشرعية , أصبحت على غير المتوقع , حجة على الإحتلال و تكريسا أخلاقيا للحكومة العراقية السابقة.

أهي صحوة الضمير أم أن حاجب محكمة التاريخ يصرخ "محكمة", ومن جديد وفي وضع شبيه بالتظاهرات التي عمت الغرب قبل الغزو, بدأت هذه المحاكمات و صحوة الضمير في الأوساط الغربية قبل العربية, فالكثير من أشهر و أعرق وسائل الإعلام و المثقفين الغربيين قد بدئوا بمراجعات أكثر عدلاَ , للقضية العراقية خاصة مرحلة الرئيس صدام حسين و حكومته,فهل سننتظر الإعلام الغربي حتى يصبح منصفا مئة بالمئة, و من ثم نتبنى القضية كمثقفون عرب و نمضي على خطاهم في إنصاف القادة العرب , الذين قضوا خلال منعطفات مهمة من التاريخ العربي المعاصر, وهل سيكون ذلك مرهونا بمقدار الهدوء النسبي في المنطقة.

لا زالت روح كليوبترا و دماء زنوبيا و صخور بترا تلعن روما.