الخميس، 11 نوفمبر 2010

الرحيل المستبد ّ




الرحيل المستبد ّ

فجر الرحيل المستبد ّ
فيما يفجر وحدة القلب العنيد ...
في اشتعال الدمع الأخضر

و البحر يبكي من وقوفي المزمن
وينوح من وجع المسيح المستجدّ

جائت رياح الشرق تسحق عظمي
و أنا مسار العائدين إلى دمي من المعارك
و إلى المهاجع من الهزائم
و البحر يبكيني
و البحر يحكيني لأطفال الغبار الهارب

يهرب الشجر الشتوي مني
و صفات جدي و البقايا من معالم ظلي

من لي و للجنون
من لي و للوجه المسافر

من شاطئي تأتي النذر
حلمي يحاصرني بدفتر مدرستي
و بذكريات الظهر قبل رحيلنا

و أبي صعود النجم في السماء
و أبي يحاكم بقائنا
نم يا أبي , لنفرّغ الألم المرفّل فينا
و لنعبر الجرح الموازي لانكفائنا
نم يا أبي لنتوحد فيما يشبه الخطى
دع عنك قانون الضرائب ...
..و ما يساورنا من اللاحياة

و البحر يحكيني لزهر الدار في الشاطئ الجنوبيّ
و بطفرة الروح يرميني إلى الكتب المقدسة

من لي و للعشق القتيل على يديا
من لي و لي و لكل ما عندي من الخطايا
لجمال وجهي في المرايا

لا شيء , لا أحد لك...
- لا شيء , لا أحدٌ سوى رجع البقاء في عينيك ,

كنا و ما كنا و تسحقنا السماء بفائض النشيد المجوفل
ببقائنا و برجع عيني و احتباس السيف في صدري
بحجاب أمي وانتحاب الشجر العمري عند الفجر

اشتق زهراتي من الوجع المرتل
أمضي و أبحث عن الخرائط
كي أحكم الأنفاس في رئتي و ما يشبه الوجود
أستحضر الأشياء في كأسي و في روحي
يتكون الأصحاب أشباحا
نمشي و نبسم للنشيد المهلك في السماء
و بنبض شريان الحياة ......
وما يحابي الفلب من عشق الورود
نعلو و تعلو خيلنا بجوانح الرعد الدفين
نحن المسافات المسافرة
و سواعد الزمن المطارد
قطر الصباح الحائر

وهنا ينام القلب و الرّحل
و هنا يراودني رحيق الصبح
يستنبط اللحظات من رسمي ,
و يخلع عن جبيني أحرف اسمي
و ألوذ بالدار التي شهدت دماء عمري
فيخالني الوقت الخريفي , فيعلو قبري
*********
*********
و أعوف جرحي في يديْ معشوقتي
لتكون , ثم أكون نصفي
قد يعشق الجرحُ السيوفَ
,و انا أتوق لما يداعب حسرتي
و أنا ارتداد الروح في صمتي ,
و سكون عرشي دمعتي

أمضي إليك , أعانق الدم , على وجهك
تترجل العين الدفينة في جفني
ضع رأسك الدامي على زندي
لي سيفك النائم ..
و لك احتباس العتم في يدي
فلترحل الشمس
فليرحل الضوء
بعض النسيم لكي ينام رفيقي
أخشى الرحيل و أنت تغفو
أخشى الرحيل و أنت تسمو
أخشى الرحيل و لا أراك غدا
أدري بأنك ذاهب للماء في السماء
و أخاف إذا .. غادرتك ..,,,,,,
أن لا أراك ولا أرى بارق الحياة .......
ودفئ صدرك و ارتقاء الورد في أبعادك
إن لم تزرني ....لن أ لومك أعرف الأشياء تشغلك ...
حملي ثقيل و انسحابك مقتلي
و مسيرتي زمن طويل
أدري بعودي لن أراك هنا

كنت المساءات الجميلة في عيوني
كنت الصباح الرطب في جفني
غضب الأسير على سواعدك انفجاري
غيظ الدماء على قميصك يحرق الأنفاس في صدري
رؤياك بين يديّ تفرحني
و شماتة الأرضات تجرحني
يا ليتني ما كنت قبل اليوم
أنى بموتٍ يأخذ الحسرات عن وجهي
دع عنك همي و ارتحل بهدوء غضبتك
دع عنك عيني قد تبرد دمعتي غلّتك

يا ابن أبي ما للنواح وما لك الآن
بات النعاس يزاور العينان
يا سيدي و الريح تكاد ترميني
يا سيدي والشمس تحرقني
يا سيدي كيف انفجرت بربك اجتبيني

لي ثورتي و بنادقي
يا سيدي ميراثك الإنفجار و سيفك الذهبي لي
لي سائر الدم و ارتفاع القلب

و أنا المحارب الثائر المطل المجتبى.......
لبريق عشق الواردات إلى العلا
و أنا إذا ما طل نجمي تعرفيني

عفت ثيابي ..
و سئمتها .... ما كنت تأتيني
...

من لي سواك لتغمريني ....ولتحملي جرحي
و لتجمعي الأوقات عن كتفي
....
من لي سواك لتأخذي كفي إلى سيفي
و تسبّلي عيني على النجمات


نحن البقايا منكم ....الدم فينا دمائكم
نحن انفراج الأفق في أرواحكم

و إذا أطلت خيلنا لن تنكرونا
لن تنكروا فينا وديعتنا......
رفاتنا – أشلائنا بوابة الجحيم
نحن الأسود السمر, سمُّ الريح و الجوّ الرخيمِ
دُمْنا بذات الشّزر في نظراتنا
ما دام في أصواتنا نَبْرات عشقي
حتى و إن كنا طرائدَ سادن النار السماوي في الأفق
نبقى أسود الأرض......
شمس فجرنا الأولى وميلادُ النهارِ
تحت التراب جثة.........
قد عافت الرأس الضَّحوكِ على الرماح
أو فوق حقلٍ نلعب البشرى ,........
و بعض الإبتسامِ مع الصغار
أيا نكون , فنحن وقع الحب في حرم الدمار,,
 ***

ثائر جبر

الاثنين، 1 نوفمبر 2010

الكتابة

الكتابة ....هو الكلام المر. مر كطعم العلقم، لكنا دائما نمارس الكتابة, رغم تآكل الأمل, لماذا ننحى بأنفسنا إلى كهوف معزولة ومتربة، ونعصر أقلامنا ليسيل دمها أسودا على أديم البياض؟
الكتابة هي اختمار الألم، تجتاحك كالطوفان في اللازمان واللامكان. ولا تعطيك خيارا آخر سوى امتشاق القلم والقرطاس.
الكتابة معنى من معاني الوجود المتزاحمة, تسافر كالأعاصير على ضفاف النفس، تدفع بالدماء من القلب إلى بقية الجسد فتحيينا. وعندما نحيا نتذوق طعم وجودنا. وجودنا المالح كمذاق العرق في يوم حارق.
نرتكب القصائد، نقترف النصوص لنسرح القمر من سجنه المظلم ثم ندحرجه ككرة ثلج ليكبر ومعه تكبر آمالنا لنواصل الكتابة.
الكتابة أطراف الروح. يقظة الكلمة، إنعاش اليأس, تغتال البيان لتعبر في هدوء عن مكونات الوجود الأولى, وتعمق فينا الإحساس بالأمل لنواصل الكتابة.

الخميس، 7 أكتوبر 2010

لو قرعنا جدار الخزان سيطلقون علينا الرصاص!





الكاتب ثائر جبر

يخرج من بيته مسرعا والنعاس يزاور عينيه شرقا و الشمس - تزاورهما – غربا, لا يملك من وقته شيئا, تأخذه الطريق إلى ذلك السلك الشائك, سيارات صفراء "تنعف" عمالا وتمضي مسرعة تاركة ورائها الجحيم, يتأبط كيسا أسود, قد أودع أولاده عين الله ومضي يصك رغيفا.

لا أحد يأبه لأمره, أو لأمر أولاده, وهو لا يطلب شيئا كهذا, ولم يخرج يوما في تظاهرة ضد الغلاء ولا ضد أي شيء, لم يسأل إذا كان اسمه على أجندة المفاوضات أم لا, لا يملك ذهنا لمتابعة الأخبار ولا مساحة من الوقت ليقرأ الإدانات اليومية, لا يعرف من أين بدأ الشقاق ليعرف إلى أين وصلت جهود المصالحة, جل ما دأب على التفكير به منذ اشتد عوده هو "كيف سيتمكن من سد عوز عائلته" .

يذكر جيدا حكايا جده عندما كان يعرّج على القدس ليزور بعض الأصدقاء في طريقه إلى عكا, ليشتري فستقا وتبغا ليطحن ساعات الليل الرطبة برفقة صهره العكاوي.

لم يعِ يوما كيف كان جده يذرع تلك الأرض بـ "قمبازه" وعصاه ولفافته, وتلك البنايات التي تشبه اليوم رومانيا, بشبابيكها التي تطل منها الفتيات ليغسلن بالشمس أجسادهن الذابلة من النوم الطويل كل صباح, لم يدرك تماما عما كان يتحدث جده عندما يصف له يافا ومقاهيها وبحرها, وحيفا برونقها وتوابلها وفتياتها.

تنزاح كل ألأفكار من رأسه, بجده وبصباه و صبواته, ويبدأ بالتفكير "كيف سنعبر هذا السياج إلى ذكريات جدي لنعمل هناك", يتسلق الأسلاك بجسده المنهك من شدة النعاس, ثم يمضي ومجموعة من أقاربه, - بضع خطوات -, ديبجات من الحديث يمسك كل منهم بطرف لا يقطعها سوى سيارة جيب إسرائيلية "تجعر" من بعيد, كالوحش الذي أدرك فريسته, تدنو السيارة أكثر فأكثر, يترجل من فيها, يحاول الجميع الهرب, لم يسعفه جسده الثقيل ليجاري رفاقه, أطرق ثانية لنفسه –وهو يهرول -, ماذا سيحدث, سيطلبون هويتي كالعادة سيدققون فيها وسيتركونني وشأني.... على أسوأ الأحوال لن أعمل هذا النهار, فهم يعرفون جيدا أني عامل وكيسي الأسود نصف هويتي, وملمس يدي نصفها الآخر, وقد لا يطلبون هويتي أصلا!!!, لم يلبث أن يقطع حواره مع نفسه حتى لامست جسده فوهة البندقية, ما استدرك الأمر إلا والرصاصات تخترق جسده ليسلم الروح بسبعة وثلاثين ربيعا.

في اليوم التالي - تماما- عاد ليعيد الكرة, له من العمر اليوم خمسة وخمسون عاما, يكاد الرأس يشتعل شيبا, واليد ضاقت بأناملها تعبا, لكن – قال لنفسه - "يجب أن أعبر إلى ذكريات جدي لكي أعمل هناك", اعتلى السلك الشائك بعوده النحيل, ثم رماه خلفه ومضى ومجموعة من أقاربه, بالكاد تحمله قدماه, ولكن الأفق المقابل يحمل ثقله وجحيما رابضا, فجأةً رأى نفسه في حرب, جنود من كل حدب وصوب, قنابل ورصاص يتبعه صراخ من كل الجهات, دخان هنا وهناك, جندي من دون سلاح – رأى نفسه – في أرض الحرب, إلى أين؟ "سأل نفسه" بالأمس تعبت حتى أدركوني وانتظرت سؤالهم لكي أجيب فأودعوا كل الرصاصات في جسدي, فماذا أفعل اليوم؟...... , إلى هناك, يجب أن أركض إلى هناك, ولكن ..(استدرك نفسه ) "لي من العمر ما يفرض احترامي, .. ماذا لو لم يأبهوا؟, سأتابع الركض, ....يا الله....لا أقوى على عذابات الأرض...لا أعرف هذا الدخان, لا أقوى على الشهيق... يا الله .......",

يزداد الدخان الأبيض في المكان, تنزاح منه الرائحة الكريهة, ويبدوا كالضباب البارد, يسود صمت فجائي في أرض الحرب,لا بنادق ولا رصاص ولا قنابل, وشيئا فشيئا بدأت أصوات العصافير كأنه الصباح, نظر حوله قائلا لنفسه, ما هذا؟ أين أنا؟, أطرق السمع والنظر في ذهولٍ حتى بدا له وكأنه رجل في السبعين من عمره يخرج من الضباب الأبيض مقبلا إليه بعصا وبين أصابعه لفافة, فرك عينيه بيديه وأمعن "يا الله ....جدي", تبسم الرجل ثم قال "لا تخف يا بني", وربت على كتفه وأردف "سنمضي اليوم إلى عكا نتسامر وصهرنا العكاوي وفي الصباح سنعود نزور بعض الأصدقاء في القدس".

" إهداء إلى أرواح شهداء الكدح والأرض عز الدين صالح عبد الكريم الكوازبة و شحدة محمد حسين كرجة رحمهم الله."


عز الدين صالح عبد الكريم الكوازبة

الشهيد شحدة محمد حسين كرجة

الاثنين، 20 سبتمبر 2010

"ثائر جبر" روحانية الكلمة في لحظة تأمل: أميمه عبد الله

يجسد الكاتب والشاعر الفلسطيني ثائر جبر روحانية الكلمات في لحظات تأمل , يستعرض خلالها صخب العيش وعبثية الواقائع في زمن القهر المزمن, ويمارس دقائق حياته في هدوء يفسر أحيانا بالثورة, - يتحصن في مواجهة الذات- خلف لوحاته الشعرية, ليروي لنا كلّ مشاهد المعاناة والأماني التي يعيشها الإنسان في بلد محتلّ شكلا أو محتلّ مضمونا.

تدفعه – حتى - الهموم العاديّة للإبحار الروحي في آفاق التأمل, ولا يأبه بمظاهر العصر متمسكا بقناعاته التي يتسلح بها كشاهد على عصره, لينقل لنا مباشرة خوض غمار الحدث في المكان والزّمان, ناقلا بأسلوبه المميّز, نماذج من اللوحات التي تعكس الواقع الأليم لحياة النّاس في ظلّ العولمة, التي تتعامي - عمدا - عن أدنى الحقوق المشروعة للإنسان - أيا كان موطنه - دون إغفال خصوصية المواطن العربي.

يسكن جبر بنيانه الفكري , يحاكي عوالم المعرفة والثّقافة وعوالم الأشباح, الحارات, والحراب, يستعرض بواطن الوعي في عرفانه الذّاتيّ , يستسقي – الأرض و السماء - أفكارا, ليدونها كلمات ترسم أبعاد الإنسان العربي, يخرجها في لوحات فنية انطباعية كما يراها من منظوره الفكري , بعد الغوص في متاهاتها مستكشفا كلّ معالمها و تراكيبها.

يكتب جبر كتاباته الجميلة , ذات الوقع الموسيقي الآسر في قوالب شعرية خاصة , وألوان أدبية لها طابعها المميز , وتعبيراتها الخاصة , التي تؤكد معالم شخصيه فكريّة مميزة.

يجسد رؤياه المستقبلية وفق مفاهيم أدبيّة صافية وشفافة, والتي برزت في نماذج مختارة من وجدانياته المنوّعة, المنشورة هنا و هناك, ما يعكس صورة جليّة لمسارات جبر في رؤى فكرية من نوع آخر ومغاير, يؤكد عليها في كتاباته ورؤيته الفلسفية, والتي تنتظر كشف النقاب عنها في رحلة نقدية, يذهب فيها النّاقد إلى ما هو أبعد من الكلمات, ليتبيّن العمق الإنساني الذي ذهب إليه جبر في عدد من رسائله الموجهة, لقيامة المجتمع الإنساني الحضاري بعيدا عن التجاذبات السلطوية القائمة على النزاعات و التدافع بغرض تدمير نصف الذات ضمن الذات الواحدة...

أميمه عبد الله
عن جريدة البشاير المصرية